مقالات واراء

أخي الكريم العبرة من مرور الأيام والأعوام

أخي الكريم العبرة من مرور الأيام والأعوام

رمضان رمضان العشماوي

أيها المسلمون:- يقول الله تعالى ” إن فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ” آل عمران وقال تعالى  ” وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ” الفرقان

أيها المسلمون

مضى عام بكل ما يحمل من أحداث وأفراح وأحزان، وجاء عام لا ندري ما الله فاعل فيه .عام كامل، تصرَّمت أيامه وتفرقت أوصاله، وقد حوى بين جنبيه حِكَماً وعبراً، وأحداثاً وعظات، فكم شقي فيه من أناس؟ وكم سعد فيه آخرون؟

وكم من طفل قد تيتم؟ وكم من امرأة قد ترملت؟ وكم من مريض قد تعافى؟ وكم من سليم في التراب قد توارى؟.

فرأينا أهل بيت يشيعون ميتهم، وآخرون يزفون عروسهم، نعم دار تفرح بمولود، وأخرى تُعَزَّى بمفقود، هنا عناق وعبرات من شوق اللقاء، وهنا عبرات تهلّ من لوعة الفراق، وهذه آلام تنقلب أفراحاً، وأفراح تنقلب أتراحاً. رأينا أحدهم يتمنى دوام يومه ليتلذذ بفرحه وغبطته وسروره، وآخر يتمنى انتهاء يومه ليتخلص من همومه وشروره،

أيام تمر على أصحابها كالأعوام، وأعوام تمر على أصحابها كالأيام . فإن تعاقب الشهور والأعوام على العبد، قد يكون نعمة له أو نقمة عليه، فطول العمر ليس نعمة بحد ذاته، فإذا طال عمر العبد ولم يعمره بالخير فإنما هو يستكثر من حجج الله تعالى عليه. مضى عام، وهكذا تمر الأيام تسحب وراءها الشهور تجر خلفها السنين ويمر جيل بعد جيل .

أخي الكريم العبرة من مرور الأيام والأعوام

أيها المسلمون

في مرور هذه الأعوام و تتابع السنين ، و انقضاء الأيام و الليالي عبرة و عظة . فما هي العبرة التي نأخذها من مرور السنين وتتابع الأيام ؟ فينبغي للمسلم الذى يرجوا الله واليوم الآخر أن يتوقف مع نفسه وقفة لله عز وجل، يحاسبها على ما مضى وينظر فيما هو آتٍ، قال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ” سورة الحشر. وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واستعدوا للعرض الأكبر ” يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ سورة الحاقة.

وإذا كان الأمر كذلك فأذكر نفسي وإياكم بحديث عظيم من أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم – وكل أحاديثه عظيمة -.

فقد روى الترمذي بسند حسن صحيح عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ” لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ “. وفي رواية للبزار عَنْ مُعَاذٍ ، أَحْسَبُهُ رَفَعَهُ ، قَالَ ” لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ ، عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَا عَمِلَ بِهِ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ ” . فالعبد سيُسأل عن كل شيء قال تعالى” وَقِفُوَهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ” سورة الصافات ، وقال عز وجل:

” فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ” سورة الحجر  وقال عز وجل ” فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ” سورة الأعراف ، وقال عز وجل ” إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ” سورة الإسراء ،قال الفضيل بن عياض رحمه الله: من علم أنه لله وأنه إليه راجع فليعلم بأنه موقوف، ومن علم أنه موقوف فليعلم بأنه مسؤول، ومن علم أنه مسؤول فليُعِدَّ للسؤال جواباً . نعم سيُسأل العبد عن كل شيء، فقد سُطِّرت أعماله وأقواله وحركاته وسكناته وجميع أفعاله في كتابٍ ” لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا ” سورة الكهف

أولاً: “عن عمره فيما أفناه؟” فالعمر هو رأس مال العبد الحقيقي، الذى ينبغي أن يحرص علي اغتنامه في طاعة الله عز وجل قبل فوات الأوان، وفي الحديث ” عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لرجل و هو يعظه : اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك و صحتك قبل سقمك و غناك قبل فقرك و فراغك قبل شغلك ،وحياتك قبل موتك ) (أخرجه الحاكم وصححه الألباني) فمنها “وحياتك قبل موتك” وقال الله عز وجل :{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر 37]. ويحكى أن جمال الدين القاسمي – رحمه الله – مر على أناس يجلسون على مقهى يلعبون ويمرحون ويضيعون أوقاتهم في المعاصي، فبكى فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: لو أعلم أن هؤلاء يبيعون أوقاتهم لاشتريتها منهم .نعم ، سيُسأل العبد عن عمره فيم أفناه ؟هل أفناه في الطاعة أم في المعصية ؟ هل أفناه فيما يقربه من ربه عز وجل أم فيما يباعده منه ؟ هل أفناه فيما ينفعه في الدنيا والأخرة أم فيما يضره ؟ هل أفناه في القِيل والقال أم أفناه في العمل والجد والاجتهاد فيما يرضي به خالقه ؟وغيرها من الأسئلة الكثيرة، فإذا كان الأمر كذلك فليُعِدَّ للسؤال جواباً .

أخي الكريم العبرة من مرور الأيام والأعوام

ثانياً: ” وعن شبابه فيما أبلاه؟” وهذا كما يقال مِن ذكر الخاص بعد العام، فمرحلة الشباب هي إحدى مراحل العمر التي يمر بها الإنسان، ولكن لخطورتها وأهميتها يُسأل عنها العبد سؤالاً خاصاً.

قيل: (من شبَّ على شيء شاب عليه، ومن شاب على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه)

فتكون المحصلة من شَبَّ على شيء بُعث عليه . وربما ذكر مرحلة الشباب وتخصيصها بالسؤال بعد السؤال عن العمر لمعنىً مهم وهو أن الكثير قد يغتر بشبابه، ويظن أن الموت بعيد عنه، وأنه لابد وأن يستمتع بشبابه، فالعمر ما زال فيه بقية مما يجعله يُسوِّف التوبة والاستقامة، وما درى هؤلاء المساكين أن الموت إذا أتى لا يفرق بين كبير وصغير، ولا يفرق بين شاب وشيخ، ولا بين صحيح وسقيم . ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ« سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ ” ….. وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ” فالعبد سيسأل عن شبابه فيما أبلاه ؟ هل أبلاه في الطاعة، أم في المعصية ؟ هل أبلاه في الإقبال على الله عز وجل، أم في التسويف ؟

هل أبلاه في اغتنام الأوقات والحرص على الاستفادة منها، أم في تضيعها فيما لا ينفع، بل فيما يباعده عن ربه عز وجل ؟ هل أبلاه في المساجد وحلق الذكر وتلاوة القرآن، أم أبلاه على المقاهي والتسكع في الشوارع ؟ هل أبلاه في مصاحبة الأخيار وأهل الاستقامة، أم أبلاه في مصاحبة الفجار وأهل المعاصي ؟ وغير ذلك من الأسئلة الكثيرة، أيضاً التي لابد أن يعد لها جواباً .

ثالثاً ورابعاً: ” وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟” فالمال سلاح ذو حدين له في الخير مجال طويل، وله في الشر ذيل كبير، فينبغي على العبد أن يتحرى الحلال في مكسبه، وكذا في نفقته، وعليه أيضاً أن يبتعدَ ويَفِرَّ مما فيه شبهة، ففي الصحيحين (النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ

« الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى ، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ . أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ . أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ » وفي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-« أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ». ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ». وكان الصحابة يتركون تسعة أعشار الحلال خشية الوقوع في الحرام . والآن الكثير مع الأسف الشديد يقع في الكثير من الحرام لعله أن يكون حلالاً!!! وتهاونَ كثير من الناس في المعاملات المحرمة كالتعامل بالربا في البنوك، وبيع العِينَة والغش وإخفاء العيوب في السلع، والرشوة، وتطفيف الميزان، وغير ذلك. ثم ينفق كسبه في ما حرَّم الله من خلال شراء ما يغضب الله عز وجل من المخدرات أو الدخان أو الأغاني الماجنة، أو الإنفاق في السهرات الحمراء ولا حول ولا قوة إلا بالله . فالعبد لابد وأن يستشعر أنه سيسأل عن ماله هذان السؤالان العظيمان: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟.

أخي الكريم العبرة من مرور الأيام والأعوام

هل كسبه من الحلال، أم من الحرام؟ هل اكتسبه من الأعمال المباحة، أم مما فيه شبهة أو محرم؟ وفيما أنفقه هل أنفقه فيما يرضي ربه عز وجل، أو فيما يغضبه؟ فليعد للسؤال جواباً . خامساً: ” وماذا عمل فيما علم؟” إذا كان على العبد أن يتعلم أمور دينه وما تصح به عقيدته وعبادته لقوله تعالى : {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر 9]، وقوله عز وجل : {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه 114]  وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ) رواه ابن ماجة (صححه الألباني)، فالأولى من ذلك أن يعمل بما تَعَلَّمه. وإلا فكما قيل: علم بلا عمل كشجرة بلا ثمر، أي لا فائدة منه . وقيل أيضاً: يهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل .وقال بعض السلف: لا يزال الرجل جاهلاً بما علم حتي يعمل به، فإذا عمل به فهو عالم .وانظر إلى هدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قالوا: كنا لا نتجاوز العشر آيات من القرآن حتي نعمل بها – أي لا يحفظون الآيات التي تليها حتي يتعلموها ويعملوا بما فيها من أحكام – قالوا : فحفظنا القرآن قولاً وعملاً .

والعلم حُجَّةٌ على صاحبه إن لم يعمل به .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى