مقالات واراء

مفاتيح السعادة الأربع

مفاتيح السعادة الأربع

رمضان رمضان العشماوي

أخي الكريم /

أربعة مفاتيح ما تَمسَّك بها عبدٌ إلا كان التوفيقُ والرزقُ ‏وراحة البال والطمأنينة والسعادة، حليفًا له، وبالعكس تمامًا ما وجدتُ تعيسًا قلقًا حزينًا إلا كان عنده من التقصير أو التفريط ما عنده في هذه المفاتيح الأربعة.‏

قلت: هذا استقراء لحال وشكوى كثير من شبابنا وفتياتنا، فإن أردت الحل لمشاكلك، فدونك هذه المفاتيح الأربعة اسْمَعها بأُذن قلبك قبل أُذن رأسك، وهي كتالي:

أخي الكريم / المفتاح الأول: الصلاة:

الصلاة هي الركن الثاني من أركان الاسلام، والصلة التي بينك وبين الله، فلا تقطعها، بل تمسَّك بها، وذكِّر بها أهلك وإخوانك، ففيها الخير والرزق؛ قال تعالى” وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ” طه،

فإن قطعتها فاعلم أنه قُطع عنك الخير والرزق، وتخبَّطت في وحل الشهوات؛ قال تعالى” إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ” العنكبوت.

فالصلاة يا رعاك الله نورٌ وبرهان، وتطهير من الخطايا، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال”أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمسًا، هل يبقى من درنه شيء؟ ” قالوا: لا يبقي من درنه شيئًا، قال: كذلك الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا “.

فيكف تنام عنها وتخرجها عن وقتها من دون عذر، والله عز وجل يقول: ” إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ” النساء.

بل ما هو عذرك أمام الله وأنت مستيقظ وتسمع نداء الرحمن، وتسمَع بعدها الإقامة، وتسمع بعدها الإمام يقرأ، وتسمع بعدها المصلين من خلفه يؤمِّنون، وأنت جالس في بيتك مع أهلك معافًى لا تتحرك لصلاة الجماعة في المسجد مع المُسلمين؟!

فالسؤال الذي يحتاج إجابة صادقة: لماذا (أنت) محروم من إجابة نداء الرحمن حي على الصلاة حي على الفلاح؟ وتريد بعد ذلك الرزق والتوفيق والسعادة، هيهات هيهات وأنت ممن يتخلف عن الصلاة، فلا تحافظ عليها، ومضيع لها وتتساهل بتأخيرها عن وقتها، وتتبع ما يوافق شهواتك؛ قال تعالى” فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ” مريم ،

ما هو جزاؤهم؟  فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ” مريم، أي: عذابًا مضاعفًا شديدًا، فتأمَّل بيان سوء العاقبة، وما تلقى من شر وخسران في الدارين، بسبب تضييع الصلاة، واتِّباع الشهوات.

فالحذر الحذرَ من التهاون في الصلاة، وذلك بفعل الأسباب المشروعة والمعينة على المحافظة على صلاتك، فالصلاة خط أحمر، وهي وصية رسولنا صلى الله عليه وسلم قبل موته: ” الصلاة الصلاة “، فصلاتك نجاتك، ومن أهم المهمات بعد توحيد الله عز وجل.

مفاتيح السعادة الأربع

أخي الكريم / المفتاح الثاني: بر الوالدين:

الوالدان نعمة من الله تعالى لا يعرف قيمتها إلا مَن ابتُلي بفقدهما، أو بفقد أحدهما، فهما جنة في الدنيا تجني ثمارها في الدنيا قبل الآخرة؛ قال تعالى: ” وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ” الإسراء، فقرَن الله إحسانك لوالديك بعبادته وتوحيده، وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على ‏عظيم شأن بر الوالدين، فهذا التابعي الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: ” إن خير التابعين رجل يقال له: أويس، وله والدة هو بها برٌّ، لو أقسم على الله لأبرَّه، وكان به بياض فبَرِئ، فمُروه فليَستغفر لكم” رواه مسلم.

فتأمل معي هذا العمل الذي قام به أويس القرني، والذي استحقَّ به هذه التزكية من رسول الله، وأن يذكره عند الصحابة رضوان الله عليهم، وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وأمرهم أن يطلبوا منه أن يستغفر لهم؟ نعم، إنه بِرُّهُ بأمه؛ حيث قدَّم رغباتها على رغباته وحاجاتها على حاجاته، وكان يرعاها حق الرعاية، وبهذا استحق أن يكون خير التابعين، وأن يكون مستجاب الدعوة

وبالمقابل حذَّرنا الله من العقوق بأقل وأدنى مراتب الأذى، في قوله تعالى: ” فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ” الإسراء ،تأمل كلمة “أُف” من حرفين فقط، من قالها فقد عقَّ والديه، فكيف بمن زاد على ذلك!

بل أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عقوق الوالدين قرين للشرك، وثاني أكبر الكبائر بعد الشرك بالله؛ فقد قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ ثَلاَثًا، قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ ..” رواه البخاري ومسلم.

فالتوبة التوبةَ، والإحسان إلى الوالدين أحياءً وأمواتًا.

مفاتيح السعادة الأربع

أخي الكريم /المفتاح الثالث: ذكر الله:

هي جنة في صدرك وطُمأنينة قلبك؛ قال تعالى: ” الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ” الرعد .

بل إن هذا الذكر حياة لك، فالحياة الحقيقة ليست أنك تقوم وتقعد وتأكل، وتغدو وتروح، ويجري الدم في عروقك، لا، بل هي حياة قلبك؛ قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: ” مثل الذي يذكر ربَّه والذي لا يذكر ربَّه، مثلُ الحي والميت”، إذًا حالي وحالك مع ذكر الله كحال السمكة مع الماء إذا أخرجناها من الماء، هل تعيش؟ قطعًا لا! كذلك أنا وأنت مع ذكر الله، فلا تفتر عن ذكره.

فمن أسباب الهموم وضيق الصدر: غفلتُك عن ذكر الله والإعراض عنه؛ قال ابن القيم: “وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضِيقِ الصَّدْرِ: الْإِعْرَاضُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِغَيْرِهِ، وَالْغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَمَحَبَّةُ سِوَاهُ”.

قال ابن الجوزي: “رأيت سبب الهموم والغموم الإعراض عن الله عز وجل، والإقبال على الدنيا”.

فالحذر الحذر من الغفلة، والإعراض عن المواعظ، والتذكير بكلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو سبب لإعراض الله تعالى عن العبد؛ كما في حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما فرأى فرجةً في الحلقة، فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث، فأدبر ذاهبًا، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ” ألا أُخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله، فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض، فأعرَض الله عنه” متفق عليه.

مفاتيح السعادة الأربع

أخي الكريم / المفتاح الرابع: الصحبة الصالحة:

من الكنوز التي لا تفنى ويبقى أثرها معك في الدنيا والآخرة: الجليس الصالح، وبالعكس جليس السوء، وقد ضرب لنا رسول الله المثل بقوله عليه الصلاة والسلام: ” إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ، فحاملُ المسك: إِما أن يحذيكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير؛ إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحًا خبيثَة ” رواه البخاري، ومسلم.

إذًا المؤمن الكيس الفطن لا يدع قضية الصداقة والصحبة قضية جانبية عفوية، لا تأثير لها في حياته، ولا يسعى لها، فأعمارنا في هذه الدنيا قصيرة والفرص قليلة والصاحب ساحب.. فأنت بحاجة ماسة إلى صاحب يأخذ بيدك إلى الله، فإذا نسيت ذَكَّرَك وإذا غفلتَ وَعَظَك، والمؤمن مرآة أخيه، فالصاحب الصالح الذي يعينك على طاعة الله، خيرُ جليسٍ لك، فإذا كان الله يأمر خير الورى قدوة الصالحين، وإمام المرسلين محمدًا صلى الله عليه وسلم – أن يجلس مع الصحابة رضي الله عنهم بقوله تعالى: ” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ” الكهف، فهذا الخطاب له صلى الله عليه وسلم ولأُمته من بعده.

قال ابن القيم: “أنفع الناس لك رجل مَكَّنَك من نفسه حتى تزرع فيه خيرًا، أو تصنع إليه معروفًا، فإنه نعم العون لك على منفعتك وكمالك‏، فانتفاعك به في الحقيقة مثل انتفاعه بك أو أكثر، ‏وأضر الناس عليك من مَكَّنَ نفسه منك حتى تعصي الله فيه، فإنه عون لك على مضرتك ونقصك‏”

أخي الكريم /

تذكَّر يا رعاك الله أن كل صحبة وصداقة في غير طاعة الله وعلى المعاصي، فإنها تنقلب عداوة يوم القيامة إلا صحبة وصداقة الصالحين المتقين؛ قال تعالى: ” الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ” الزخرف، فتأمَّل دوام واستمرار هذه الصداقة والصحبة في الله في الدنيا والآخرة، أما من كانت صداقتهم في الدنيا على معاصي الله، فيتبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة.

مفاتيح السعادة الأربع

ختامًا:

حافظ على هذه المفاتيح الأربعة، وتمسَّك بها، وقَيِّم نفسك فيها، فإن كنتَ قد أحسنتَ، فاحمَد الله واثْبُتْ، وتزوَّد أكثر من الخير: ” وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ” البقرة، وإن كان هناك تقصير أو تفريط، فتدارك نفسك قبل فوات الأوان: ” حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ” المؤمنون.

واعلَم  يرعاك الله أن نجاة العبد يوم القيامة أو خسارته على مقتضى أعماله، إن خيرًا أو شرًّا؛ قال تعالى ”  وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ  ” الروم.

فحرصك وتمسُّكك بالأعمال الصالحة سبب للحياة السعيدة الطيبة؛ قال تعالى” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” النحل: ، فاحذر أن تخرُج من هذه الدنيا ولم تَذُقْ أحلى ما فيها من ثمرات هذه الأعمال الصالحات

وقد يتصور البعض أن العمل الصالح شاق وثقيل على النفس، فيزهد فيها، وكل هذا من تثبيط الشيطان للعبد، وتثبيطه عن المسارعة في الخيرات، بل إن ميادين الخير فسيحة، وفرصها متعددة، ومفاتيح وأبواب السعادة فيها كثيرة وثمراتها كبيرة، وما ذكرته من مفاتيح (المفاتيح الأربعة) من أبرزها لمن أراد السعادة والطمأنينة وراحة البال والرزق والتوفيق ..

أسال الله أن يجعلني وإياكم وشبابنا وفتياتنا ممن حافَظ على هذه المفاتيح الأربعة والأعمال الصالحة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى