مقالات واراء

تراجع القيم والأخلاق ظاهرة تهدد المجتمع المصري

كتب وائل علام 

لم يكن المجتمع المصري يوما، مجتمع مفكك يعاني من انهيار الاخلاق والقيم النبيلة، التي وجدت وولدت مع المصريين منذ القدم، وظل حتى وقت قريب محافظا على كل هذه الثوابت جيلا بعد جيل، حتى باتت مصر الوجهة المفضلة لجميع الجنسيات عربية كانت أو أوروبية، حيث كان المجتمع المصري مثالا للتسامح مع الآخرين وتقبلهم واكرام ضيافتهم، وهو ماوضع مصر في مقدمة الدول الآمنة التي تستوعب ويعيش على أرضها جاليات مختلفة لاتشر بأي تفرقة بينها وبين المصريين.

اليوم ومع مرور عقدين من الألفية الثالثة شعرنا جميعا تراجع كثير من هذه الثوابت، ففي السابق كان من المستحيلات أن يسيء الجار إلى جاره، أو يغدر الصديق بصديقه، أو تتفكك الأسرة الواحدة إلى أن يصل الخلاف للخلافات التي قد تصل أن يقبل الأخ على قتل أخيه لأسباب واهية يستغرب منها البعض وسمعنا ورأينا من تلك الجرائم المثبر، ماذا جرى لنصل لهذه المرحلة الخطرة التي تهدد سلامة الوطن وأمنه؟!، وهو ما يضعنا جميعا في حيرة من أمرنا مما يحدث حوالينا في مجتمع يدين بالإسلام.

البحث عن أسباب هذا التراجع في قيم وأخلاق المجتمع المصري له من الأسباب الكثير، أهمها قضية الانفجار السكاني في مصر وما خلفته من عشوائيات في التعامل، وغياب التنظيم في كل مناحي حياتنا، وهو مادفع كثيرون للعصبية وعدم السيطرة على سلوكياتهم، كما أن اتجاه سياسة الدولة من التقييد إلى الانفتاح، ومن التدخل فى شؤون الاقتصاد إلى الانفراج والحرية، ومن الاشتراكية المتحيزة للفقراء إلى الرأسمالية المتوحشة، مما أدى لحدوث صراع مروع بين التمسك بالقيم والتمسك بالمال، بين الحفاظ على اللغة والتراث والتاريخ أو الذوبان فى كل ما هو أجنبى باعتباره المصدر الأعلى للدخل، ولأن المادة باتت هى الغاية ولظهور أثرياء سكنوا الفلل والقصور وركبوا أفخم السيارات ولبسوا أجود أنواع الملابس وأكلوا وشربوا وعاشوا كالملوك – رغم أنهم كانوا صعاليك حتى وقت قريب – فقد حسم الأمر وفتحت شهية الكثيرين لبلوغ الثروة بأى طريقة ومن أى مصدر مشروع أو غير مشروع، فالذى يمتلك الآلاف يريد الملايين والذى يمتلك الملايين يريد المليارات، حتى لو باع الخدمات المجانية وتقاضى الرشوة وبنى أبراج الموت وتاجر فى المخدرات وتهرب من الضرائب وحصل على قروض دون ضمانات واستورد الأغذية الفاسدة ومارس الاحتكار… إلخ. والتراجع الحاد فى الكثير من القيم مثل قيمة العلم وقيمة العمل وقيمة التدين وقيمة الجمال وقيمة الأمانة، ولاننسى أن غياب دور الأسرة خاصة فى الاهتمام بالقيم الدينية والخلقية وانشغالها بالكسب المادى من أجل تلبية حاجات أفرادها، كان من ضمن الأسباب، وكذلك غياب التخطيط الحكومى على الصعيد الإعلامي والتعليمي فى تنمية الشباب خلقيا وفكريا.

المجتمع المصري في حاجة للوقوف مع نفسه فالأمر أصبح جد خطير، ولابد من رسم دور للإعلام ليكون منبرا لنشر قيم الأخلاق وفق خطط منتابعة يمكن معها الوصول لأكبر شريحة من المصريين، واهمال كل الأفلام والدراما التي تحث على العنف، واحلال مكانها دراما اجتماعية توعوية هادفة، وهو مانفتقد في خططنا وعلى الدولة دعم هذه التوجه، فيما يأتي دور الأزهر وعلمائه الأهم بالتوعية الدينية ونشر قيم التسامح بين أفراد المجتمع وتعميقها في كل منهاجه وبرامجه ونشراته، اضافة إلى دور الأسرة في تربية أبنائهم والمؤسسات التعليمية فكلاهما مكمل للآخر.

ويقول الشاعر أحمد شوقي:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى